«فنون وعادات البيضان»: مرجع توثيقي للثقافة الحسانية الصحراوية

شكل صدور الترجمة العربية لكتاب «فنون وعادات البيضان» لمؤلفته أدويت دي بويغودو محور لقاء ثقافي نظمه معهد الدراسات الإفريقية في الرباط أخيرا، لتسليط الضوء على أهمية هذا الكتاب في توثيق المعالم الحضارية والاجتماعية والثقافية لسكان مناطق شاسعة من الصحراء، تمتد من جبال الأطلس الصغير في المغرب إلى نهر السنغال ومن غرب مالي إلى المحيط الأطلسي.
وتميز اللقاء التقديمي بحضور مترجم الكتاب الباحث أحمد البشير ضماني، بمشاركة الأديب حسن نجمي، حيث تم التوقف عند قيمة الكتاب باعتباره إطارا عاما بالمعنى التاريخي والاجتماعي والإثني لعشائر البيضان (سكان الصحراء) ويقدم رصدا شاملا لحياتهم المادية، كما يقدم ثروة أدبية لمن يهتم بالتراث الشفوي، ويمكن أن يُقرأ فيه نوع من أدب الرحلة.
هذا العمل الصادر عن مركز الدراسات الصحراوية في الرباط، يضع بين يدي القارئ مجموعة من المقالات التي نشرتها المؤلفة ما بين 1968 و1980 في مجلة «هسبيريس تامودا»، التي كانت تشرف عليها كلية الآداب في الرباط، وانصبت تلك المقالات حول طبائع «البيضان» وعاداتهم وحياتهم الأسرية وملابسهم وحياتهم الثقافية وصناعاتهم التقليدية، وشملت أيضا معطيات عن المدن القديمة الرئيسية في مجالهم الجغرافي.
تتخلل هذا المؤلف الذي يقع في 477 صفحة رسوم لم يسبق نشرها لأعمال على الجلد والخشب والمعادن. ومن خلال هذه النصوص والرسوم والنقوش، يتيح الكتاب اكتشاف الإرث العلمي لأوديت دو بويغودو، التي اعتُبرت صديقة كبيرة للمغرب، وُلدت عام 1894 في سان نازير في منطقة بروتاني في فرنسا وتوفيت في الرباط سنة 1991. جالت أوديت العالم الصحراوي الحساني ما بين 1933 و1960 وناضلت من أجل الحفاظ على غناه التراثي والإنساني.
كان الكتاب في الأصل مشروع أطروحة جامعية شرعت الباحثة الأنثوبولوجية المذكورة فيها سنة 1958 تحت إشراف ثيودور مونو. وكان يحذو أوديت دو بويغودو أمل في أن تكون مفيدة يوما ما للصحراويين أنفسهم، الذين استضافوها وساعدوها وحموها وأرشدوها، عندما يحين الوقت الذي سوف يبحثون فيه في بطون الكتب عما كان مألوفا لديهم بالأمس القريب. غير أن أبواب جامعة «السوربون» ظلت موصدة في وجهها، فلجأت إلى نشرها في مجلة «هيسبريس تامودا»، ولم تطبع مجتمعة في كتاب واحد إلا بعد مرور أزيد من عقدين.
حظي كتاب «فنون وعادات البيضان: الترغيب في الصحراء» تدريجيا، ومع مرور الزمن، باهتمام علمي من طرف المهتمين عموما بتطور مجتمع البيضان، فصدر كاملا لأول مرة عن منشورات إيبيس برس في باريس سنة 2002 ، ثم عن منشورات لو فينيك في الدار البيضاء سنة 2009. يشتمل الكتاب على مقدمة وخمسة فصول خصصت على التوالي للمجالات التالية: تاريخ وجغرافيا تراب البيضان، الحياة المادية (السكن، اللباس، الحلي)، الحياة الأسرية (الزواج، الأطفال)، الحياة الثقافية (التعليم) والصناعة التقليدية (عدة ركوب الإبل). تتلخص الاستنتاجات التي خرج بها المترجم من هذا المؤلف في ثلاث نقاط:
ـ تراب البيضان هو، جغرافيا وبشريا، تراب واحد، وهذه الوحدة مسألة جدية لا بد من أخذها بعين الاعتبار عند مقاربته بهدف دراسته والسعي إلى فهمه ووصفه، وأن كل محاولة للنظر إلى الحدود الاستعمارية التعسفية المجزئة له والمفرقة بين ساكنته، مهما كانت أصولها العرقية، على أنها فواصل تعكس اختلافات حقيقية مآلها الفشل وتشويه الحقائق.
ـ تكامل أنماط العيش المختلفة التي كانت سائدة فيه قبل التحولات المعاصرة، فحياة الاستقرار، الذي ظل جزئيا مع كل مظاهره، ليست إلا امتدادا لتقاليد الترحال والرعي.
ـ خلف ثراء فنون وعادات سكانه، تقف موجات الهجرات البشرية المتتالية عبر العصور، والمبادلات المكثفة والتلاقح الثقافي بين ضفتي الصحراء، والروابط الحضارية والتاريخية التي ظلت تجمعه، على الدوام، بالمغرب والمشرق، فالصحراء لم تشكل في تاريخها الطويل والعريق حاجزا طبيعيا أبدا، كما تدعي ذلك الأيديولوجيا الاستعمارية، بقدر ما كانت، ومنذ أقدم العصور، صلة وصل وعامل تواصلٍ ومثاقفةٍ ومعبرًا لتبادل المنتجات والخبرات والأفكار والمعتقدات بين شمال إفريقيا وبلدانها السوداء.
تبقى الإشارة إلى أن مترجم الكتاب أحمد البشير ضمـــــاني باحث في تاريخ وتراث المناطق الصحـــــراوية وعضــــو اتحاد كتاب المغرب، صـــدر له كتاب «الشاي في المغرب الصحراوي من الغرابة إلى الأصــــالة» و»الـشـــاي الصحراوي: درس التاريخ وسياقات التغـــير الاجتماعي»، وقام بتعريــــب كتاب تحت عنوان «المغرب الصحراوي: تراث ماء ونخـــيل وخـــبرة بشـــرية»، وأيضا كتاب «الملحفة: زي نساء المغرب الصحراوي»، علاوة على عدة بحوث ودراسات ونصوص مترجمة صدرت في مجلة «ثقافة الصحراء» ومجلة اتحاد كتاب المغرب «آفاق».

ذات صلة